السبت، أغسطس 27، 2011

مقاطع قصيرة من رسالة طويلة إلى بكرية مواسي

-1-
كتب إرنست همنجواي ذات مرة، "العالم مكان جيد، ويستحق القتال من أجله"... أنا أتفق مع المقطع الثاني.
 ويليم سومرست – فيلم سبعة


في عام 1759، أصدر فولتير رواية "كانديد أو التفاؤل"، والتي يعتقد بعض النقاد أنها ألهمت دوستويفسكي شخصية الأمير ميشكين في روايته "الأبله"، بعد الزلزال الذي ضرب لشبونة في عام 1755 وأودى بحياة عشرات الالآف في عز الحرب البومرانية. يتوصل البطل في نهاية الرواية إلى حقيقة الحياة بغض النظر عن فلسفة التشاؤم أو التفاؤل أننا علينا أن نعمل حتى نتبعد عن الرذيلة والسأم والحاجة.

"العمل هو الطريقة الوحيدة لجعل الحياة محتملة"، يقول أحد شخصيات "كانديد"، فالعالم الذي أتيت إليه مكان ممل إلى درجة لا تطاق، ولا سبيل إلى العيش فيه دون أن أعمل أيًا كان الدافع أو النتيجة المنشودة، ولا بديل عن الخوض في مستنقع الحياة القذر. بالتأكيد ستبتل ملابسي بالأوساخ وتمتلئ جيوبي بالقذورات، ولكن لا مفر سوى الإنتحار، وهو حل لا أحبذه كثيرًا.

كلنا سُذج وبلهاء مثل كانديد على درجات متفاوتة، حيث أنني أعترف بأن هناك قدر ماكر أذكى من توقعات الجميع، ولا شئ غير العمل بنية صادقة ودأب طويل قادر على مغالبة عناده للحصول على أفضل ما في أفضل الإحتمالات الممكنة. لا تشاؤم، لا تفاؤل، لا يأس، لا أمل، لا شئ إلا يد الله وذراعي.

-2-
أذكر قصة قرأتها لإسحاق باشيفز سنجر، الأديب البولندي الحائز على جائزة نوبل عام 1978، يحكي رجل أبله يعمل خبازًا سيرته مع أهل قريته الذين يكيدون ويتعرضون له بالأذى دائمًا وزوجته التي تخونه مع آخرين باستمرار. أذكر جيدًا أنني عندما انهيتها أغلقت الكتاب شاعرًا بنفس الإحساس الذي أصابني عندما شاهدت فيلم "فورست جمب" لروبرت زيمكس لأول مرة منذ عشر سنوات، ألم طويل في جدار القلب.

يعاني البلهاء في الواقع أكثر من غيرهم في هذا الكون، لكنهم يتعادلون مع الآخرين في مجمل الحياة، لأنهم لا يشهدون الكثير من الصراعات الداخلية في أنفسهم. ولأن الحياة عادلة في جورها، يدفع الإنسان ثمن الوجود دائمًا سواء احتفظ باستقامته وبراءته أم لم يحتفظ، فلا يظلم الأبله نفسه أبدًا، وتظلمه أقداره أبدًا، ولهذا يشفق الناس عليه أكثر.

قد يكون حظ الأبله في النهاية مثل "الأمير ميشكين" في رواية دوستويفسكي، يسقط في قاع الحياة كالحجارة ، أو مثل "فورست جمب"، يطفو فوق سطحها كالريشة، فبلاهة الإنسان أو سذاجته ليست حاجزًا كافيًا لدفع التعاسة بعيدًا عنه أو مانعًا يطرد السعادة بعيدًا منه.