الأربعاء، يناير 09، 2013

(!)

بالأمس القريب، حدثت فضل عن خالي المجنون، واليوم رأيت جدتي لأمي في هلوسات أحلامي!

وجدت نفسي أمشي في ردهة البيت المظلمة، كانت في الحلم أطول مما عليه في الحقيقة، وكنت أسير ببطء حذر أن أصطدم بشئ، عندما سمعت مياه تقطر عرفت أنني أعبر دورة المياه، حتى اقتربت من المطبخ، رأيت نور المطبخ الأصفر يسقط خارجًا منه على الأرض وينتشر خافتًا في ظلام الردهة، وسمعت خالتي تغني موّالاً لليلى مراد بصوتٍ دافئ حنون:

يا ساكني مطروح
جنّية في بحركم
الناس تيجي وتروح
وأنا عاشقة حيّكم

شعرت لحظتها بأنني قد اهتديت، وقفت عند عتبة المطبخ، كانت تعطي ظهرها كليًا لي ولم تعيرني انتباهًا، شاهدتها تقلب أشياءًا على نار البوتجاز وتنقل أشياءًا أخرى إلى حوض المياه دون أن تنظر إلىَّ، تركتها وأزحت الستار الفاصل بين الردهة والصالة لأجد جدتي جالسة في مكانها المعتاد أمام المدفأة،  قبّلتها وجلست إلى جانبها.
بعد قليل، رفعت رأسها إلى زاوية السقف ذو الطلاء المتآكل، شردت قليلاً وشرعت في الكلام بصوتٍ عال، كانت تحكي عن أمور مختلفة، بعضها عن خالي وإخوتها وبعضها الآخر عن الجيران وأناس لا أعرفهم، وتشكو في وسط حديثها، ثم تتوقف لتكمل حكايتها، لم تدمع عيناها أبدًا، ولم يكن صوتها منكسرًا أو حزينًا، بل كان جليًا غير متهدج، والغريب أنها لم تكن تحدثني أو تحدث جدي النائم في الغرفة المجاورة أو تحدث خالتي، بل كانت تنظر إلى زاوية السقف وتحدث نفسها كأنها تشكو إلى الله أمر الحياة والموت. 
شعرت أن وجودي بجانبها كان خاطئًا من الأساس، ولم أجد فائدة في إطالة الجلوس، قمت متحسرًا على حالها، عندما أزحت الستار عائدًا كانت خالتي واقفة خلفها تنصت إلى حديث جدتي وهي تغالب دمعها، مسحت ما سال منه على وجهها، وقالت:
- ارحمنا يا رب والطف بينا وصبرنا على البلاء.
ثم عادت مرة أخرى إلى داخل المطبخ، كنت أود أن أصرخ عاليًا، لكني وجدت صوتي منحبسًا في حلقي.