الاثنين، أكتوبر 31، 2011

أحيانًا

(1)
كنّا نقف في غرفة نوم شقتنا القديمة، وكان الظلام يغشي كل أرجاء الغرفة، أجلستها على طرف السرير، ثم سجدت أقبل قدمها اليسرى باكيًا. انفجرت الدموع سائلة من عينيها، وحاولت جذب قدمها ومنعي من الإستمرار فلم تستطع.

هكذا حلمت بها في العام الماضي.

(2)
بالأمس البعيد بلغ اشتياقي إليها مبلغًا قاسيًا فقلت لها أنني سأسقط مغشيًا عليّ فور رؤيتها في لقاءنا القادم.

وبالأمس القريب حلمت أنني كنت جالسًا مع أصدقائي داخل مقهى "استراند" نتسامر ونضحك إلى أن قال أحدهم فجأة أنها قادمة في طريقها إلينا حسب موعدها معه، فارتبكت ولم أعرف كيف أتصرف. وعندما حضرت وقفت عند مدخل المقهى حاملة حقيبتها على ظهرها، وكنت أول من سقطت عيناها عليه، وقفت مضطربًا، ثم أحسست بدوار، وأغمى عليَّ.

الأحد، أكتوبر 30، 2011

في الحلم

في الحلم، كنتِ أقصر، وكنت أكثر بدانة، وكان شعرك أحمر.
التقيك برفقة أمي عند نهاية كوبري الدقي، كان الجو ممطر، والوقت مغرب والطرق مزدحمة. اقترحت أن نمضي إلى منزلي ونطلب فطائر للغداء، لكنكِ قلتِ أن عندك موعد مع صديقك المجند.
قلت لكِ: "أريد الذهاب معكِ"، فقلتِ: "فلترافقني حتى أقرب آلة صراف آلي.. أريد سحب بعض النقود". كنتِ أكثر طيبة، وكان صوتك حنونًا. بكيت كثيرًا، لكنني قلت كل الذي أردت قوله في النهاية.
كان عليكِ الذهاب، وكان علي العودة. طيبت خاطري، وضممتني في حضنك لأول مرة وتركتني أقبل يدك التي أعرفها.

في الحلم، لم تكن أنتِ التي رأيتها كما في الواقع، بل صورة مثالية منكِ انعكست في هيئة فتاة صبهاء بدينة قصيرة القامة.

السبت، أكتوبر 29، 2011

قصف ذهني .. نسف عاطفي

هذا صداعٌ يتجدد مرة كل عام.

أحاول التوازن منذ أسبوع، منذ أن اختبرت أطنان من المشاعر العنيفة التي لم اختبرها من قبل. خاصمني النوم طيلة هذه الليالي العصيبة، وأردت أن أختبئ في صدر الموت لأن أبواق الفزع الليلي كادت تصيبني بلوثة عقلية. 

لكني أتعلم الآن أساليب جديدة للنجاة، وأقول للهوى: اعصف بي متى رغبت... فرصةٌ سعيدة وحظٌ أسعد.

الجمعة، أكتوبر 28، 2011

وأنا بخير

-1-
سويت عظامي من نار هذي التجارب تحديدًا.

-2-
هل تذكرين يوم أن صادفنا الشاعر الشاب إياه في المقهى الفاخر؟ لقد اشتركت معه في أمسية شعرية على مسرح الساقية منذ سنوات مضت، لم أستسغ أغلب أشعاره، كثير منها مصنوع، وبعضها مبتذل مثل كلمات أغاني الإعلانات، لكن ما جعلني أمقته حقًا ثقل دمه الممزوج بإحساسه المتضخم بذاته، وكبره الكريه الذي جعله في مصادفتين متتاليتين يتجاهل نظرتي الممدودة له بالتحية والسلام ويغض بصره عني كليةً كأنني كلب قبيح أجرب.
وأسأل نفسي: هل سنتجنب بعضنا هكذا يومًا؟ اللهم لا أسألك هذا.

-3-
موت العلاقات الإنسانية مثل أي موت، يمر بمراحله النفسية الخمسة، لكنه لا يمر في خط مستقيم، بل يتأرجح ذهابًا وإيابًا حتى يستقر في المرحلة النهائية.
وأنا الآن في أوج حبي لكِ، ولا شئ يقيني من عذاب نفسي، أتناولُ عشاءاً خفيفاً أمام شاشة التلفزيون، وأرقب آلية أمي في تقشير الثوم التي ألقت نظرة على ريم ماجد، ثم علقت قائلة "أحسن، يستاهلوا، نخبة بنت وسخة"، انشغل قليلاً بمعرفة سبب سبابها، وأتابع بعضًا من إجابات ضيوف اللقاء، ابتسم للامبالاتي بالهم العام، ثم أسقط مرة أخرى في قاع ذاتي، عارفًا أن غريزة الحياة أقوى من الموت، وأن النفس لا تخرج إلا كارهة.

-4-
أدعو الله بحق جحيمه الأرضي هذا أن لا يعلو الصدأ سطح قلبي مرة أخرى، وأن يظل الزمن حيًا أمام عينيَّ، وأن أولد في الحب من جديد، وأن تكون السعادة ضمن ما أجده لحظة اسيتقاظي، وأن يمشي الوقت بي بعيدًا عن كآبتي الآنية.

ضرطة واحدة كفيلة بإنهاء الأمر

كدت أموت أمس بشتى الطرق، في حادث سيارة، بمتلازمة القلب المنفطر، بمحاولة إنتحار، وصديقي يخبرني "اِكبر بقى" فأضحك لأنه ذكرني بالقفشة المأخوذة من قافية جمال بخيت "وفك حبل المنشقه"، أما صديقتي التي حدثتني عن تدهور صداقاتي لا تعرف أن الصداقة أكثر مأساوية من الحب لكننا لا نلحظ ذلك عادةً.

قلبي المراهق ينضج الآن كثمرة أناناس استوائية، عليه أن يقبل بالحوادث كلها، أن يكف عن نزقه، أن يتعلم من خرقه، وأن يضرط نصائح الأصدقاء الرديئة كلما أمكن.

2012

 في العام القادم ستحبني فتاة أكثر جمالاً وطيبة من كارا سيمور.




* الصورة من فيلم "Adaptation"

الأحد، أكتوبر 16، 2011

نظرة شديدة الواقعية على مستقبلي القريب

... لكن الحياة تصبح أحياناً غير ممكنة بدون قبول كامل للموت.
فاضل العزاوي

أجلس إلى جهازي المحمول وأضغط بأصابعي على لوحة المفاتيح: أنا حسين الحاج، وهذا ما أفكر به.

يكره الجيل الرابع من آل الحاج قيادة السيارات لأسباب عقائدية بحتة، لكني سأتعلم قيادتها لأحصل على رخصة قيادة خاصة في العام القادم، ثم سأذهب لأموت موتًا فوضويًا في حادثة سير على الطريق الدائري. حسنًا، لا بأس، إذا كان هذا قدري فلا بأس، لكني أفضل أن أموت على سريري وسط أحبائي، أنظر إليهم وأبتسم ابتسامة رضا، وأستقبل موتي في هدوء شاعري أنيق.

لم أستطع فهم ماهية الموت نهائيًا، ولا أريد من أحد أن يُفهمني ماهيته، لم يعني لي أكثر من الغياب المادي عن العالم، ولقد تصالحت منذ زمن مع حتمية فناء الإنسان، وآمنت أن الموت هو فقط عملية تبديل عوالم. أما عن الحياة، فكل ما سأقوله عنها سيغدو مبتذلاً ومكررًا.

إذا أردت يومًا كتابة وصية لي فسوف أبدأها قائلاً، "لقد أديت عملي على هذه الأرض، لقد عشت الحياة كما يجب أن تعاش. وسأصبح غدًا ماضيًا".

السبت، أكتوبر 15، 2011

ولا بأس

في صُبح البين، أبحث عن اسمك بين عشرات الأسماء على ذاكرة هاتفي، وأفكر مئات المرات في عبثية مكالمة غايتها أن تصلني بصوتك، أقرأ نصوصًا كتبتها عنكِ، ورسالة كتبتها إليكِ، وأنهي حيرتي بأن أغلق كل شئ في يأس قائلاً: "ولا بأس".

ها أنا الآن ملقى على جانب الطريق، بعد أن قلبتِ قلبي بين أصابعك، ثم تركته ومضيتِ إلى حالك. وحين يشتد بي الإفتقاد، وأشعر ببرودة الليل حول رأسي المحموم من التفكير، أنهض إلى السرير معزيًا روحي: "ولا بأس".

قبل أن يتسلل النوم إلى أجفاني، تنبلج صورتكِ يوم أن التقيك مصادفة في المقهى المظلم جالسة إلى نفسك، ينتفض جسدي برعشتين عنيفتين، ثم أطيب خواطري قائلاً: "ولا بأس".

الجمعة، أكتوبر 14، 2011

السنوات الكلاب

هذه الأيام ستأتي بالتأكيد.

أن أستيقظ صباحًا ثم أرغم نفسي على مواصلة الحياة، وأمضي مترنحًا تحت لكمات القدر لأحشر نفسي داخل أنبوب فشلي الواقعي الضيق.

منذ سنوات مضت، كنت أهرب من مدرستي الثانوية وأذهب لقضاء جزءاً من النهار داخل إحدى سايبرات الدقي المبكرة، ثم أخرج للتسكع باقي اليوم الدراسي في شوارع المدينة. نهارات رائقة لم يكدر صفوها شئ تقريباً إلا ذلك الخاطر المخيف من أن اصطدم بأبي في الطريق.

لم أكن أفكر في شئ محدد عندما كنت أقرر في أي صباح أفلت فيه من المدرسة، كانت المدرسة مكان ممل وبغيض ولم يكن هناك أحد فيها يشتاق قدومي إليها. لم أتحمّل ضياع أيام مراهقتي فيها، تذوقت بالهواء مذاق حريتي الاختيارية في الحلم بكل شئ ممكن أو غير ممكن.

أحببت التسكع في المدينة وحدي، الذهاب إلى أماكن تخلو من حركة الماشين إلى مسؤلياتهم، فأنا لم أكن مثقلٌ بها على أيّة حال، لكنني أحببت تأملهم بينما يذهبون إلى أشغالهم، يمشي الواحد منهم منكساً رأسه إلى الأرض، يجرّ عليها أقداماً ثقيلة، كنت أنظر داخلهم وأشعر بخفتي لا نهائية.

أتذكر يوم أن خرجت ذات نهار من المنزل فوجدت العالم الصاخب كله يتحرك أمامي في بطء أشعرني بحدارة الامتنان لنعمة الحياة، ويوم أن سرت ذات صباح باكر في شارعٍ خالٍ بين الأشجار التي تتثائب من غفوتها الليلية فاستشعرت المعنى المبسط للحظة الأبدية في قلبي.

جربت السجائر مع زملائي مرّة، ثم بمفردي مرات، لكني لم أستمر. أضفى انفرادي وتفردي عليّ وقاراً خارجيًا وعزلة داخلية أكبر، بينما كل ما فعلته أنني تعلمت التمتع بسنوات مراهقتي دون تعقيدات وصدامات مع ثوابت أخلاقية مفروضة ونجحت في تجنب دروس المراحل الانتقالية والحياة التي تنضج بالصراعات المستديمة.

أدرك الآن أن مذاق تلك الأيام أفسد عليَّ سنوات الجامعة التي تلتها لأنني رفضت تغيره أو تغييره، ورفضت أن أدفع فاتورتها. رفضت أن أتحمل آلالام النضج.

هذه الأيام ستأتي بالتأكيد.