الجمعة، أكتوبر 14، 2011

السنوات الكلاب

هذه الأيام ستأتي بالتأكيد.

أن أستيقظ صباحًا ثم أرغم نفسي على مواصلة الحياة، وأمضي مترنحًا تحت لكمات القدر لأحشر نفسي داخل أنبوب فشلي الواقعي الضيق.

منذ سنوات مضت، كنت أهرب من مدرستي الثانوية وأذهب لقضاء جزءاً من النهار داخل إحدى سايبرات الدقي المبكرة، ثم أخرج للتسكع باقي اليوم الدراسي في شوارع المدينة. نهارات رائقة لم يكدر صفوها شئ تقريباً إلا ذلك الخاطر المخيف من أن اصطدم بأبي في الطريق.

لم أكن أفكر في شئ محدد عندما كنت أقرر في أي صباح أفلت فيه من المدرسة، كانت المدرسة مكان ممل وبغيض ولم يكن هناك أحد فيها يشتاق قدومي إليها. لم أتحمّل ضياع أيام مراهقتي فيها، تذوقت بالهواء مذاق حريتي الاختيارية في الحلم بكل شئ ممكن أو غير ممكن.

أحببت التسكع في المدينة وحدي، الذهاب إلى أماكن تخلو من حركة الماشين إلى مسؤلياتهم، فأنا لم أكن مثقلٌ بها على أيّة حال، لكنني أحببت تأملهم بينما يذهبون إلى أشغالهم، يمشي الواحد منهم منكساً رأسه إلى الأرض، يجرّ عليها أقداماً ثقيلة، كنت أنظر داخلهم وأشعر بخفتي لا نهائية.

أتذكر يوم أن خرجت ذات نهار من المنزل فوجدت العالم الصاخب كله يتحرك أمامي في بطء أشعرني بحدارة الامتنان لنعمة الحياة، ويوم أن سرت ذات صباح باكر في شارعٍ خالٍ بين الأشجار التي تتثائب من غفوتها الليلية فاستشعرت المعنى المبسط للحظة الأبدية في قلبي.

جربت السجائر مع زملائي مرّة، ثم بمفردي مرات، لكني لم أستمر. أضفى انفرادي وتفردي عليّ وقاراً خارجيًا وعزلة داخلية أكبر، بينما كل ما فعلته أنني تعلمت التمتع بسنوات مراهقتي دون تعقيدات وصدامات مع ثوابت أخلاقية مفروضة ونجحت في تجنب دروس المراحل الانتقالية والحياة التي تنضج بالصراعات المستديمة.

أدرك الآن أن مذاق تلك الأيام أفسد عليَّ سنوات الجامعة التي تلتها لأنني رفضت تغيره أو تغييره، ورفضت أن أدفع فاتورتها. رفضت أن أتحمل آلالام النضج.

هذه الأيام ستأتي بالتأكيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق